• نقابة المحامين في طرابلس - لبنان

النقيب المراد لـ"لبنان الكبير": السياسة المتّبعة تنذر بسيناريوات مشابهة لانفجار التليل

17/08/2021

هي أيام قليلة مرت على الذكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت ليفجع اللبنانيون بكارثة أخرى في منطقة أخرى أودت بحياة أبرياء ذنبهم الوحيد أن رئيس بلدهم وعدهم بالذهاب إلى جهنم، ففتح أبوابها على مصراعيها أمام شعب بات كخزانات بنزين ونيترات ينفجر بأي لحظة على واقع فاضت أزماته المتوالية على قدرة استيعاب أي إنسان على الكرة الأرضية.

بين الرابع من آب 2020 والخامس عشر من آب 2021، قصة شعب مظلوم ينتظر عدالة موعودة من دولة حلّلت مؤسساتها، ونجحت في تحويل البلد إلى ما يشبه الغابة حيث الكبير يأكل الصغير وحيث تبددّت المسؤوليات، وضاع العدل الذي يعتبره أهالي بيروت وعكار وكل لبنان الطريق الوحيد لطمأنة النفوس. ومن يراقب أحاديث الناس والاحتقان السائد في عكار كما في كل المناطق ينذر بأن حالة الغليان الشعبي باتت قاب قوسين من الانفجار الذي سيطال في أولى شظاياه المسؤولين الذين يتحملون بشكل مباشر أو غير مباشر مسؤولية هدم المنازل على رؤوس أصحابها.

بين انفجار نيترات المرفأ وانفجار بنزين التليل، فروقات كثيرة، إلا أن النتيجة واحدة: غياب سلطة تضرب بيد من حديد، وأبرياء يدفعون أرواحهم ثمن الإجرام والفساد واللامسؤولية والتقصير والإهمال.

وللاطلاع على مجريات التحقيق في عكار، وتداعيات الانفجار على الوضع الأمني في المنطقة بعد أن تردد دخول طرف ثالث على خط الفتنة في المجتمع العكاري، تواصل " لبنان الكبير" مع نقيب المحامين في الشمال محمد المراد الذي أسف "لما جرى في عكار الذي هو دليل قاطع على أننا في جهنم التي بشرونا بأننا ذاهبون إليها بعد أن احترقت الناس بالبنزين. كنا نتابع على الأرض، وزرنا المستشفيات وشاركنا في اللقاء الروحي الذي جمع رؤساء الطوائف في المنطقة لاحتواء تداعيات الانفجار ثم انتقلنا إلى مسرح الجريمة".

إحالة الملف إلى المجلس العدلي
وعما توصلت إليه التحقيقات حتى الآن، شدد المراد على أن "الانفجار يحتاج إلى تحقيقات شفافة وموضوعية ودقيقة. القضاء العسكري وضع يده على الملف بحكم أن هناك شهداء من الجيش"، لافتاً إلى أنه "من الطبيعي أن تتشكل هيئة مكتب ادعاء، لكن هناك أكثر من سبب يجعلنا في حالة تحفظ على سير التحقيقات في هذه الملفات الكبيرة (انفجار المرفأ وانفجار التليل) التي تطال الأمن القومي وتهز الكيان اللبناني، أمام القضاء العسكري الذي لا يؤمّن حسب القانون حقوق المتضررين والمدعين. والقضاء العسكري هو قضاء استثنائي، ولا يؤمّن المعايير الدولية لجهة المحاكمات وتأمين حقوق الأطراف. من هنا، كانت المطالبات بإحالة مثل هذه الملفات إلى المجلس العدلي الذي يؤمّن مبدئياً الحقوق لأطراف الدعوى إن كان لجهة الادعاء أو لجهة الدفاع".

وتخوف المراد "من تمييع القضية كما يحصل في انفجار المرفأ إذا لم تواكب بطريقة قوية وبعين ساهرة وبرقابة مشددة"، مشيراً إلى أن "التحقيق سرّي لكن هناك مواكبة لهذه المسألة لأننا مؤمنون بأن الملاذ الأخير هو العدالة، وأهالي الشهداء والمتضررون اليوم في حالة نكبة صعبة جداً، ولا بد من احتواء وضعهم الاجتماعي والنفسي، وأكثر من ذلك لا بد من طمأنتهم بأنهم سيصلون إلى العدالة من خلال احتضان هذه القضية في الدفاع عن مصالحهم وحقوقهم وعن اعتبارهم أولياء الدم".

التخوف من سيناريو مشابه
ولفت إلى أن "الانفجار ليس عادياً لأن هناك الكثير لهم دور بشكل مباشر أو غير مباشر فيه، وأعتقد انه يقتضي أن تتشكل حالة من التضامن، وهي كذلك، مع عكار من كل اللبنانيين لأن الذي حصل مأساة. ولو كان هناك بعض الفارق بين انفجار المرفأ وانفجار التليل، إلا أن هناك أوجه شبه كثيرة لناحية الإهمال والتقصير والتفلت والتخزين والتهريب وغياب سلطات المراقبة. اليوم انفجار التليل وقع، لكن اذا استمرت السياسة المتبعة، فليس مفاجئاً أن نشهد سيناريو مشابهاً في مناطق أخرى إن لم تتخذ التدابير القوية والجدية لمعالجة موضوع المحروقات من حيث تأمينها وتوزيعها ومنع تهريبها وتخزينها والتلاعب فيها".

وشدد المراد على أنه "علينا أن ننظر نظرة شمولية إلى هذه المسألة، ونستبق الأحداث في التدابير الوقائية إذ أن الخوف من تكرارها من دون أن يتعظ من يعتبر نفسه في موقع المسؤولية، من خلال تحمل مسؤولياته. إذا استمرت الأمور على هذا النحو، أخاف مما هو قادم لأن الشركاء كثر في المسألة ولا يمكن أن ننسى فئة التجار المهربين الجشعين الذين لهم دور في ما يحصل ليس فقط في إطار البعد التفجيري إنما أيضاً في إذلال الناس وفي ظلمها وقهرها. من هنا المطلوب عدم التساهل في هذا الملف وإلا سنكون أمام كوارث متتالية".

واعتبر أن "هناك غياباً وتحللاً للمؤسسات، وأجهزة الرقابة فاشلة وتنازلت عن دورها ومسؤولياتها"، مناشداً "قيادة الجيش بأن تضع يدها على هذا الملف لناحية ضبط التهريب والاحتكار والتخزين والتوزيع".

وتحدث عن اللقاء الروحي الذي عقد بمشاركة رؤساء الطوائف في عكار، والذي "كان ضرورياً وبغاية الحكمة لأننا في حاجة إلى تهدئة النفوس والاحتواء والتعقل، فالجرح عميق والأضرار كبيرة وكما يعلم الجميع أن هناك طرفاً ثالثاً يدخل على خط الفتنة. عكار مرت بعدة تحديات، لكن بتضامن النسيج العكاري، استطعنا إخراج الحالات الشاذة وحماية مجتمعنا من خلال قيمنا وشراكتنا المجتمعية".

واعتبر المراد أن "أهلنا في عكار على قدر المسؤولية، لكن من دون أن يتم المس بالعدالة في انفجار التليل. لست قلقاً على الوضع الأمني في عكار طالما هناك إرادة جامعة على رفض أي فتنة. التحديات كبيرة وعلينا أن نكون على قدر هذه التحديات".

المصدر: لبنان الكبير- هيام طوق