• نقابة المحامين في طرابلس - لبنان

النقيبة القوال في رثاء الأستاذ محسن فضل الله : نتذكره إنسانًا مؤمنًا شهمًا ونستحضرُه محاميًا فذًّا صلبًا رصينًا مثقفًا تفتخرُ به المهنةُ وتعتّزُ به النقابة

08/01/2023

شاركت نقيبة المحامين في طرابلس ماري تراز القوال فنيانوس في جنازة المحامي الاستاذ محسن فضل الله في كنيسة القديسة ريتا في اردة، وذلك بحضور حشد من المحامين والرسميين اضافة الى ذوي الفقيد وابناء الرعية.

وللمناسبة كان للنقيبة القوال كلمةً رثت فيها الفقيد جاء فيها :
"فرسانُ الحقِّ نحنُ،
وفرسانُ الموتِ أيضًا
أوَليس الموت حقًّا؟؟

عندما يصلُ أحدُ كبارِنا إلى ساحةِ الموتِ، حاملًا في يديهِ كتابَ أمسِه الأبيضَ المزينَ بالقيمِ والمناقب، ومكلّلًا بصلواتِ من كانت حقوقُهم وهمومُهم أمانةً بين يديه، وبأدعيةِ الفقراء إلى العدالةِ، يكون قد أودَعَ لنفسِه في بريد الذكريات، رسالةَ البقاءَ ههنا، فيُدوّنُ اسمُه في سجلِّ من أضاؤوا العمرَ والمهنةَ بأعمالٍ ومواقفَ من نور...

وحينَ يرمي أحد فرسانِ المحاماة الشجعان قلمَه الذي امتشقه طويلًا ويسجّيه بجانب محبرتِه المغلقة، فإنمّا يتركه إرثاً لأجيالٍ آتية ستُكمل مسيرةَ النضالِ الفكريّ والبطولةِ العلمية القانونية في سبيلِ العدالةِ والحرية.
أخواتي وإخوتي،
لا أُغالي إنْ قلتُ إنّ حالي باتَت أشبهَ بحالِ الشاعر القائل:
"لكثرةِ ما رثيتُ رفاقَ دربي بدأتُ أخُطُّ شيئًا من رثائي"
ذلك أن أصعبَ محطات العمر أن يتوالى الوقوفُ في وداعاتِ الأصدقاء والزملاء، وقد انتهَوا إلى حُفَرٍ في الأرضِ ومنازلَ في الذاكرة، إلى غيابٍ عن العين وحضورٍ في العقل والقلب، وها نحنُ نأتي اليومَ إلى موعدٍ حزين، لنسلِّمَ السلامَ الأخيرَ على كبيرٍ من نقابتنا، الأستاذ محسن فضل الله الذي نتذكره إنسانًا مؤمنًا، شهمًا، متواضعًا، بسيطًا مثلَ وردةٍ زرعها في حديقةِ بيتِه، كما نستحضرُه محاميًا فذًّا، صلبًا، رصينًا، مثقفًا، تفتخرُ به المهنةُ وتعتّزُ به النقابةُ.

كان في خلال أدائه رسالة المحاماة لمدة أربعين عامًا وأكثر، حريصًا على حسن السيرة والأمانة لحقوق الموكلين، قائمًا بما يفرضه عليه إيمانه بالله والتزامه بقسَم المحاماة ومناقبِ المهنة وأدبياتِها، وكان يسعى دائمًا إلى مصالحة المتخاصمين فيما بينهم، حفاظًا على الروابط الإنسانية التي ينبغي لها أن تسودَ بين الناس. فإذا أعياه الصلح انكبَّ على ملفّه يدافعُ فيه ويرافعُ بكلِّ ما أوتيَ من علم وضمير. صفاتٌ بذرَها في نفوس الكثيرين ممن تدرجوا في مكتبه، كما في نفوسِ أبنائه الذين سيكملون بعده المسيرة من دون شك، بالأمانة والعزم نفسيهما. على الرغم من أنه في آخر اتصال بيننا، كان الأستاذ محسن خائفًا على مستقبل المهنة والمحامين وعلى الوطن الذي ينازع بعد ان شُلّت مؤسساته وانهارت قطاعاته واعتكفت العدالة فيه. وأشعر اليوم بغصة كبيرة لأنني عجزت في ذلك الحين عن طمأنته واختصرت إجابتي بجملة بسيطة: سنظل نناضل متّكلين على الله.

الله، الكلمةُ المقدسةُ والمعزيةُ التي تشبث بها الأستاذ محسن في كل ثانيةٍ من ثواني عمره، الذي وقفه على الله والعائلةِ والمهنة، فقدّم ذاته بكلّيتها لقيم الإيمان والمحبة والشرف، فكانت هذه الثوابتُ مفتاح نجاحِه وسرّ سعادتِه وبابَ عبورِه إلى دنيا البقاء.
الآن أنظر حولي، فأرى الحزنَ ممتزِجًا بالرجاء، والدمعَ منسكِبًا في إناء التسليم بحكمةِ الله ومشيئته ، فلا يسعُني إلا أن أختم بقولِ الشاعر:
وما المالُ والأهلونَ إلا وديعةٌ ولا بدَّ يومًا أن تُرَدَّ الودائعُ

رحمه الله وعزّى قلوبكم.